 |
الدبلوماسية الصامتة: كيف تتحرك الدول العربية خلف الكواليس تجاه الحرب في غزة؟ |
لا تُقاس مواقف الدول دائمًا بعدد التصريحات أو البيانات الرسمية، بل كثيرًا ما تكون أقوى تحركاتها تلك التي تجري في الخفاء.
وفي ظل تصاعد الحرب في غزة، تبدو بعض العواصم العربية وكأنها تلتزم صمتًا محسوبًا، لكن خلف الأبواب المغلقة هناك تحركات، مشاورات، وضغوط دبلوماسية، تختلف درجاتها وأهدافها من دولة لأخرى.
أولًا: مواقف علنية... وسكون دبلوماسي
البعض يعتبر ذلك "خذلانًا"، بينما يرى آخرون أن الدول تتحرك وفق توازنات دقيقة، تحاول أن تحمي القضية الفلسطينية من جهة، وتحافظ على مصالحها وتحالفاتها الدولية من جهة أخرى.
ثانيًا: الدول التي تتحرك بهدوء
في مقدمة هذه الدول تأتي مصر، التي تلعب دور الوسيط التاريخي في كل جولات التصعيد. القاهرة لا تصدر بيانات كثيرة، لكنها تفعّل أدواتها الأمنية والسياسية لاحتواء الموقف.
أيضًا قطر والأردن والسعودية تنشط في اتصالات دبلوماسية، لكن دون استعراض إعلامي. لكل دولة دوافعها:
-
قطر تملك علاقات قوية مع حماس، وتشارك في جهود وقف إطلاق النار.
-
الأردن يشعر بتهديد مباشر لأي انفجار في الضفة الغربية.
-
السعودية تسعى لحماية مسار التطبيع الوليد مع إسرائيل، لكنها لا تملك ترف تجاهل الرأي العام العربي الغاضب.
ثالثًا: حدود التحرك العربي
رغم الغضب الشعبي الواسع، تظل هناك حدود لما تستطيع الدول العربية فعله.
العديد من العواصم تخشى أن يتحول دعمها الصريح إلى مواجهة مع حلفاء غربيين، أو أن تُتهم بتأجيج الموقف.
لكن ما يلفت الانتباه أن حتى المبادرات الإنسانية محدودة، والإغاثة تدخل بشكل رمزي أحيانًا، لا يتناسب مع حجم الكارثة.
رابعًا: دور الجامعة العربية... الغائب الحاضر
رغم انعقاد بعض الاجتماعات الطارئة، إلا أن الجامعة العربية لم تنجح حتى اللحظة في بلورة موقف عملي مشترك.
الخلافات بين الأعضاء، وتباين الأولويات، أضعف أي فعل جماعي.
وهذا الواقع يُظهر هشاشة العمل العربي المشترك، ويضع علامات استفهام حول قدرة المؤسسة على التأثير في الأزمات المصيرية.
خامسًا: هل من تحركات خارج نطاق المألوف؟
وفق مصادر متقاطعة، فإن بعض الدول العربية تسعى إلى:
-
الضغط على الولايات المتحدة للجم إسرائيل.
-
التواصل مع تركيا وإيران في إطار تنسيق محدود.
-
تحريك قنواتها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
لكن كل هذه الجهود تصطدم بجدار المواقف الدولية المنحازة، خصوصًا مع الفيتو الأمريكي المتكرر لأي قرار يدين الاحتلال.
سادسًا: الشارع العربي... الصوت المرتفع في صمت الرسميين
رغم خفوت المواقف الرسمية، فإن الشارع العربي لا يزال ينبض بالرفض والغضب.
في كل مدينة، من الرباط إلى بغداد، تخرج مسيرات دعمًا لغزة.
هذه الأصوات وإن لم تغيّر سياسة حكومية، إلا أنها تعيد تسليط الضوء على مركزية القضية الفلسطينية في الوعي العربي.
سابعًا: هل يمكن للدول العربية أن تغير المعادلة؟
نعم، إذا توفرت الإرادة السياسية، والقدرة على التنسيق، يمكن للعرب أن:
-
يشكّلوا جبهة دبلوماسية موحدة تضغط على القوى الكبرى.
-
يعيدوا تقييم علاقاتهم مع إسرائيل بشكل جماعي.
-
يدعموا صمود الفلسطينيين ماديًا ومعنويًا لا بمجرد التصريحات.
لكن ذلك يتطلب ما هو أكثر من الغضب: يتطلب مشروعًا سياسيًا عربيًا متماسكًا.
أسئلة شائعة (FAQ)
1. لماذا تبدو مواقف بعض الدول العربية ضعيفة رغم فظاعة ما يحدث؟
لأن هناك توازنات دقيقة تحكم سياسات هذه الدول، بين مصالحها الدولية، وتحالفاتها، وأوضاعها الداخلية، مما يجعلها تتصرف بحذر.
2. هل يمكن للدول العربية أن تضغط على إسرائيل؟
نعم، إذا تحركت بشكل جماعي، وفعّلت أدواتها الاقتصادية والدبلوماسية، خصوصًا في المنتديات الدولية.
3. ما دور الشعوب في هذا السياق؟
الشعوب تبقى المحرك الأخلاقي والدافع للسياسات. التظاهرات، التعبير، والمواقف الشعبية تضغط على الحكومات للتحرك.
4. لماذا لا تتحرك الجامعة العربية بفاعلية؟
بسبب تباين مواقف الدول الأعضاء، وانقساماتهم السياسية، مما يضعف أي موقف موحد وقوي.
خاتمة: ما بعد الصمت؟
صمت الحكومات لا يعني غياب الفعل، لكنه قد يكون أحيانًا مؤشرًا على العجز.
الدبلوماسية الهادئة مطلوبة، لكن يجب أن تكون مصحوبة بأفعال واضحة، لا تقتصر على الاجتماعات والبيانات.
في النهاية، ستُقاس المواقف بما تحقق للفلسطينيين من حماية وعدالة، لا بعدد التصريحات ولا بنبرة الإدانة.