 |
هل تتحقق الغايات والأمنيات… أم أن الطريق طويل بلا نهاية؟ |
في زحمة الأيام، وفي عالم يمضي سريعًا دون أن ينتبه إلى تفاصيلنا الصغيرة، نقف نحن—البسطاء، الصامتون، الحالمون—نسأل أنفسنا سؤالاً يوجع القلب:
هل تتحقق الغايات والأمنيات؟
نحن لا نطلب الكثير… نطلب فقط حياة بلا قلق دائم، بلا ديون تطاردنا، بلا راتبٍ يتبخر في اليوم الأول. نطلب فقط أن نُعامل كأناس، لا كأرقام في سجل حكومي أو كشكاوى لا تُقرأ.
أريد وظيفة لكي أعيش
أنا شاب في الثلاثين من عمري، أكاد أجزم أن أكثر ما كرّرته في السنوات الأخيرة هو عبارة: "أبحث عن وظيفة".
كل صباحٍ أفتح هاتفي، أبحث، أرسل سيرتي الذاتية، أتابع الإعلانات، أطرق الأبواب، ولا يأتيني سوى الصمت.
لي شهادة جامعية علقتها أمي على الجدار بفخر. كنت أظن أنها مفتاحي نحو المستقبل. لكنها اليوم، مجرد ورقة أصفرّ لونها… لا تمنحني راتبًا ولا تؤمن لي مستقبلاً.
اقرأ أيضا : السياحة في عمان
أريد وظيفة لا لأشتري سيارة فاخرة، ولا لأتفاخر أمام أصدقائي…
أريد وظيفة لكي أعيش.
-
أريد أن أستأجر غرفة دون أن أستدين.
-
أريد أن أشتري دواءً لأبي دون أن أتردد.
-
أريد أن أفرح أمي عندما أقول لها: "لا تقلقي… سأتحمّل المسؤولية".
ليس طموحي عاليًا، ولا أحلامي مبالغٌ فيها. كل ما أريده هو أن أبدأ حياةً تشبه تلك التي يتحدثون عنها على شاشات التلفاز… حياة الكرامة، لا حياة الركض وراء الاحتياجات الأساسية.
والأصعب من البطالة؟ أن تشعر بأنك غير مرئي. لا أحد يسأل عنك، لا مسؤول يفكر بك، وكأنك لست من هذا الوطن.
متقاعد وأتمنى أن يُقضى قرضي من البنك
منذ ثلاثين عامًا، كنت أجلس على طاولتي في الدائرة الحكومية، أوقع، أُنجز، أتحمّل ضغط العمل، وأعود في المساء منهكًا، لكن فخورًا. خدمت الدولة كما يُفترض، لم أتوانَ يومًا، لم أطلب شيئًا.
والآن، أنا متقاعد… وقد أصبحتُ أنا من ينتظر المساعدة، لا من يُساعد.
راتبي التقاعدي بالكاد يكفيني للطعام والدواء.
أقسم بالله أنني أشتري الخبز والدواء قبل أي شيء آخر.
ومع هذا، هناك ما يُثقل صدري: قرض من البنك… أخذته منذ سنوات لأزوّج ابنتي. لم أندم، ففرحتها كانت أثمن من أي مال، لكنني الآن أدفع الثمن شهريًا من راتب تقاعدي الضئيل.
كل شهر، البنك يقتطع، وأنا أُحرم من دواء القلب أو أجّل زيارة الطبيب.
كلما نظرت إلى ورقة الاقتطاع، تمنيت أن يكون هناك قرار شجاع، إنساني، عادل، بأن يُعفى من خدم بلده من تلك القروض التي استنزفت كرامتهم.
هل كثير أن أحلم بأن أموت دون ديون؟
هل كثير أن أرتاح في سنواتي الأخيرة؟
أليست الدولة مسؤولة عن راحتي كما كنتُ مسؤولًا عنها وأنا شاب؟
مواطن وأتمنى أن يزيد راتبي
أنا مواطن بسيط، لي زوجة وأطفال. أستيقظ باكرًا، أذهب إلى عملي، أعود متعبًا، أتناول طعامي بصمت، ثم أُمسك الآلة الحاسبة…
كم بقي من الراتب؟
هل نكمل الشهر؟
هل نستطيع شراء الحليب؟
هل نُسدّد فاتورة الكهرباء؟
كل شيء أصبح أغلى: الطعام، الماء، الكهرباء، النقل، حتى الهواء إن استطاعوا تسعيره لفعلوا.
ومع كل ذلك… راتبي لا يتحرك، لا يتنفس، لا يشعر أن الدنيا تغيرت.
أريد فقط زيادة بسيطة في الراتب.
لا لكي أسافر، بل لأشعر أنني أعيش، لا أنجو فقط.
لأقول لابنتي "نعم" عندما تطلب دمية، لا أن أطلب منها الانتظار.
لأشتري لعائلتي طعامًا جيدًا آخر الشهر، لا مجرد خبز ومرق.
يقولون إن الدولة قوية، وإن الاقتصاد يتحسن، وإننا على الطريق الصحيح…
لكن لماذا لا أشعر بكل ذلك؟
لماذا أشعر أنني أُسحق كل يوم، ولا أحد يسمع صرختي؟
أنا لست رقماً في كشوفات الموظفين.
أنا أب، وزوج، وإنسان… لي حق أن أعيش لا أن أُكافَح فقط.
كلمات من القلب إلى من يملك القرار
لا أكتب هذا المقال من باب الشكوى، بل من باب الصدق.
نحن مواطنون، لا نطلب قصورًا، ولا نطمع بثراء… نحن فقط نريد:
نريد من يسمع، من يشعر، من يتحرك.
نريد أن يشعر من في القصر بما نشعر به في الشارع.
نريد أن نكون شركاء في الوطن، لا غرباء فيه.
رسائل حزينة… لكنها صادقة
-
إلى كل شاب ينتظر الوظيفة: أنت لست وحدك.
-
إلى كل متقاعد يُقلّب أوراق القرض بعين دامعة: تعبك لا يجب أن يُنسى.
-
إلى كل رب أسرة يُمسك فاتورة الكهرباء بحذر: صبرك أكبر من الحروف.
ختامًا: هل الأحلام البسيطة مستحيلة؟
إننا لا نطلب شيئًا تعجز عنه الدولة، بل نطلب منها فقط أن تتذكرنا.
أن تُدرك أن الإنسان هو الثروة، لا النفط، ولا الضرائب.
أن تُدرك أن حياة الإنسان البسيط، ليست رقمًا يمكن حذفه أو تأجيله.
نحن أصحاب أحلام صغيرة… لكنها صادقة.
ولعل من يسمعنا الآن، لا يضحك من بساطتنا، بل يُدرك أننا كنا دومًا النبض الحقيقي لهذا الوطن.