725621982609bff9a612df8fd628781e

إسرائيل وقدرتها على تصفية القادة: ماذا تمتلك وماذا يعني ذلك؟

إسرائيل وقدرتها على تصفية القادة: ماذا تمتلك وماذا يعني ذلك؟


في كل مرة تُعلن فيها إسرائيل عن اغتيال قيادي في جماعة مقاومة أو تنظيم مسلح، سواء في غزة، سوريا، لبنان، أو حتى في عواصم بعيدة، يتكرر السؤال نفسه: كيف تستطيع إسرائيل تحديد هؤلاء القادة بدقة؟ وكيف تنفذ عمليات تصفية ناجحة في بيئات معقدة أمنيًا ومليئة بالحماية؟

وهل هذه القدرة تشير فقط إلى تفوق استخباراتي أم أنها تعكس منظومة أوسع من التفوق التقني، والدعم السياسي، والهيمنة السيبرانية؟

في هذه المقالة، نقدم تحليلًا موضوعيًا لتلك القدرات، وكيف تُستخدم لترويع الخصوم وفرض معادلات ردع صارمة في الشرق الأوسط.


 أولًا: كيف تحدد إسرائيل أهدافها بدقة؟

ليست إسرائيل قوة استخباراتية صغيرة، بل تُعد من أكثر الدول تطورًا في العمل الاستخباري. جهاز الموساد الخارجي، والشاباك الأمني الداخلي، والاستخبارات العسكرية (أمان) يشكلون مثلثًا غير مسبوق في تنسيق المهام.
لكن ما الذي يجعلهم قادرين على تحديد القادة في لحظة؟

 1. تفوق استخباراتي متعدد المستويات

  • اختراقات بشرية (عملاء ومخبرين): إسرائيل تعتمد بشكل كبير على العملاء المحليين داخل التنظيمات أو حتى المحيط الاجتماعي للقادة، وغالبًا ما تكافئ هؤلاء بجنسية أو مال أو حماية دائمة.

  • تكنولوجيا التجسس والمراقبة: من طائرات بدون طيار، إلى الأقمار الصناعية، وحتى برامج مثل "بيغاسوس" القادرة على اختراق الهواتف دون أن يشعر المستخدم.

 2. هيمنة سيبرانية متقدمة

  • لدى إسرائيل إحدى أقوى الصناعات السيبرانية في العالم.

  • تستطيع تحليل مكالمات، رسائل، وحتى حركات مشبوهة على تطبيقات التراسل المشفر.

  • يتم ربط البيانات وتحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد موقع الهدف ونمط حياته.

 3. تفوق في جمع المعلومات من الجو والفضاء

  • تستفيد من الأقمار الصناعية عالية الدقة التي تغطي المنطقة بكاملها.

  • تمتلك طائرات مسيّرة صغيرة وكبيرة تقوم بمهام استطلاعية طويلة الأمد، وتراقب أهدافًا على مدار الساعة.


 لماذا تصفي إسرائيل القادة العسكريين والسياسيين؟

 1. ضرب رأس القيادة

إسرائيل تتبنى سياسة تسمى "جز العشب"، أي ضرب الرؤوس البارزة من القادة لمنع تطور التنظيمات الفلسطينية أو اللبنانية إلى بنى عسكرية مستقرة.

اقرأ أيضا عن :زيارة ترامب للسعودية

 2. رسائل ردع استراتيجية

عندما تُصفي إسرائيل قائدًا عسكريًا في قلب غزة أو دمشق أو بيروت، فإن الرسالة موجهة للجميع: "لا أحد في مأمن، حتى تحت الأنفاق أو في بيوت الأقارب."

 3. إرباك الخصم وإثارة الشك

قتل القادة في مواقعهم الحساسة يؤدي إلى حالة من الشك والارتباك داخل التنظيمات، ويسبب أزمات ثقة بين أفرادها، خاصة إذا كان هناك اختراق أمني هو السبب.


 هل ما تقوم به إسرائيل مجرد ردع… أم إرهاب منظم؟

رغم ما تحاول إسرائيل تسويقه من أنها "تستهدف فقط العناصر الخطرة"، فإن تلك العمليات غالبًا ما تكون جزءًا من استراتيجية إرهاب الدولة:

  • كثير من العمليات تمت في مناطق مدنية، مما أدى لسقوط مدنيين.

  • ليست كل الاغتيالات مشروعة قانونيًا، بل تعتبرها منظمات دولية انتهاكًا للقانون الدولي.

  • سياسة "القتل خارج نطاق القانون" تُستخدم أيضًا لتصفية الأصوات السياسية، لا فقط العسكرية.


 دلالات هذا التفوق: هل هو فقط في التكنولوجيا؟

الإجابة المختصرة: لا.

القوة التي تتمتع بها إسرائيل في عمليات التصفية الدقيقة تعود إلى عدة عوامل متداخلة:

 1. حماية سياسية من الحلفاء

  • الدعم الأمريكي اللامحدود يوفر لإسرائيل غطاءً سياسيًا وأمنيًا ودبلوماسيًا يجعلها تنفذ عمليات دون خوف من العقاب.

  • أدوات التعاون الاستخباراتي مع أوروبا وأمريكا تفتح لها المجال لجمع المعلومات من عدة مصادر.

 2. اختراقات مجتمعية عربية

  • تخلخل بعض البيئات المحلية العربية، وانكشاف بعض الأفراد للمال أو الضغط أو الابتزاز، جعلت من تجنيد العملاء أمرًا سهلًا لإسرائيل.

 3. استخدام علم النفس العسكري

  • إسرائيل تدرك أن قتل القادة لا يؤثر فقط على الخطط العسكرية، بل يدمر معنويات الحاضنة الشعبية.

  • تُظهر نفسها بأنها "تعرف كل شيء"، حتى تجعل الخصم في حالة دفاع نفسي دائم.


 ما هو تأثير هذه السياسة على المقاومة؟

رغم الضربات المتتالية، لم تنتهِ التنظيمات المقاومة ولم تُهزم الحركات المسلحة، بل ازدادت تطورًا وتحفزًا. ومع ذلك، فإن:

  • الخسائر القيادية تُربك الخطط وتؤخر المشاريع.

  • غياب الكوادر يؤدي أحيانًا إلى تولي أفراد أقل كفاءة للمهام.

  • انتقال القادة للتخفي الكامل يضعف الاتصال التنظيمي، ويقلل من فعالية العمل الميداني.


 ماذا يعني هذا للقارئ العربي أو المهتم بالصراع؟

إدراك هذه المنظومة من التفوق الإسرائيلي يعني أننا لا نتحدث عن عدو تقليدي، بل عن منظومة متكاملة: استخبارات، تكنولوجيا، دعم دولي، نفوذ إعلامي، وتحكم بالمعلومة.

كل هذا يشير إلى أن أي رد على إسرائيل لا يمكن أن يكون عسكريًا فقط، بل يجب أن يكون متكاملًا:

  • تحصين الجبهة الداخلية.

  • الاعتماد على منظومات مقاومة تكنولوجية.

  • فضح الانتهاكات أمام الرأي العام العالمي.


 الخلاصة

إن قدرة إسرائيل على اغتيال القادة وتحديد أماكنهم في أي زمان ومكان لا تعكس فقط براعة استخبارية، بل تكشف عن شبكة قوة معقدة تتضمن التكنولوجيا، السياسة، التغلغل الاجتماعي، والردع السيكولوجي.
لكن أيضًا، هذه القدرة ليست مطلقة، وهي تواجه تحديات متصاعدة مع تطور المقاومة ووعي الشعوب.

في النهاية، من يعرف خصمه بدقة، يعرف كيف يتفوق عليه… فهل آن الأوان لتبني معادلة مواجهة إسرائيل بالوسائل نفسها؟


    بحث هذه المدونة الإلكترونية

    اقسام الموقع