مع تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل وازدياد الحديث عن احتمالات نشوب حرب إقليمية واسعة، يبرز موقف سلطنة عمان كأحد أكثر المواقف العربية التي تحافظ على اتزانها الدبلوماسي، ممزوجًا بقراءة تاريخية عميقة، وموقف شعبي يميل في غالبيته إلى التعاطف مع إيران، مدفوعًا بعوامل الهوية والتاريخ والارتباط الجغرافي والثقافي.
سلطنة عمان وسياسة الحياد النشط
لطالما اتسمت السياسة العمانية بـ"الحياد الإيجابي"، وهي سياسة لم تتغير بتعاقب الأزمات. وبينما تتخذ معظم الدول مواقف حادة من أحد الطرفين، تفضل سلطنة عمان أن تكون جسرًا للسلام والتواصل بين المتخاصمين، وهذا ما اتبعته في نزاعات كثيرة، مثل الحرب العراقية الإيرانية، والحرب اليمنية، والآن في ملف التصعيد الإيراني الإسرائيلي.
في الأزمة الراهنة، تتابع سلطنة عمان المستجدات في المنطقة بقلق واضح، وتدعو دومًا إلى ضبط النفس والاحتكام إلى لغة الحوار، وهو ما عبّرت عنه وزارة الخارجية العمانية في أكثر من بيان. هذا الموقف ليس غريبًا على السلطنة، بل نابع من رؤية استراتيجية طويلة الأمد تسعى لتفادي الحروب في الخليج.
لا تفوت أيضا : ماذا لو انتصرت إيران؟
عمان وإيران: علاقة تتجاوز السياسة
لكن ما يميز موقف سلطنة عمان تحديدًا في هذه الأزمة، هو أن العلاقة مع إيران ليست فقط علاقة دبلوماسية، بل تمتد إلى الجذور الاجتماعية والثقافية والارتباطات التاريخية. فهناك جذور إيرانية واضحة في نسيج المجتمع العماني، خصوصًا في محافظات مثل مسقط، ومطرح، وصور، حيث يسكن عدد كبير من العمانيين المنحدرين من أصول إيرانية، ممن اندمجوا في المجتمع العماني وأثروا فيه بعمق.
تاريخيًا، كانت هناك تبادلات بحرية وتجارية قوية بين عمان وسواحل فارس، أسست لمزيج حضاري وثقافي يظهر حتى اليوم في اللغة والعادات والموسيقى وحتى في العمارة التقليدية. وبالتالي، حين تشتد الأزمة مع إيران، فإن الشعب العماني يشعر بقدر من القرب الثقافي والوجداني مع الطرف الإيراني.
المزاج الشعبي في عمان: تعاطف مع إيران؟
رغم تحفظ عمان الرسمي عن الانحياز في الصراعات، إلا أن المزاج الشعبي يظهر تعاطفًا واضحًا مع الجانب الإيراني. يعود ذلك إلى عدة أسباب:
-
العداء العميق لإسرائيل الذي تشاركه غالبية الشعوب العربية.
-
اعتبار إيران قوة مقاومة للمشروع الصهيوني، خاصة مع دعمها لفصائل فلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي.
-
العلاقات التاريخية بين الشعوب الفارسية والعمانية، التي خلقت نوعًا من الانتماء المشترك على مستوى الهوية.
هذا لا يعني أن العمانيين يتفقون جميعًا مع سياسات إيران، ولكن الشعور العام يدفع باتجاه الأمل في أن تنتصر إيران في معركتها الحالية ضد إسرائيل، أو على الأقل، أن تُحدث توازنًا في المنطقة أمام الهيمنة الإسرائيلية والغربية.
السياسة الخارجية العمانية: ثبات رغم المتغيرات
في ظل هذا التصعيد، يلاحظ المراقبون أن عمان لم تُبدّل من نهجها الدبلوماسي. لم تُصدر بيانات تصعيدية، ولم تنحاز لأي طرف في العلن، بل استمرت في طرح المبادرات الهادئة التي تشجع على وقف إطلاق النار، والدخول في حوارات إقليمية موسعة.
وقد يكون من المفيد هنا الإشارة إلى أن سلطنة عمان كانت من بين الدول القليلة التي لم تنخرط في موجة التطبيع مع إسرائيل، بل أبقت على مسافة آمنة، حرصًا على عدم استعداء أي طرف، ولإبقاء دورها كوسيط محتمل في أي تفاوض مستقبلي.
عُمان كوسيط إقليمي موثوق
مع اتساع رقعة الحرب الكلامية والضربات المتبادلة، يزداد الحديث عن دور عمان الممكن في الوساطة. فهي تحظى بثقة إيران، وتحافظ على تواصل غير عدائي مع الغرب. ولعل التاريخ الحديث يشهد على ذلك عندما لعبت السلطنة دورًا رئيسيًا في الاتفاق النووي الإيراني الأول عام 2015، إذ استضافت المحادثات السرية بين طهران وواشنطن.
إذا تطورت المواجهة إلى ما هو أوسع، قد تكون عمان الدولة الأكثر قدرة على إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات، مستفيدة من حيادها ومن مكانتها التقليدية كمهدئ للأزمات.
أسئلة شائعة (FAQ)
هل تؤيد سلطنة عمان علنًا موقف إيران؟
لا، سلطنة عمان تحافظ على الحياد ولا تصرّح بتأييد أي طرف، لكنها تدعو باستمرار إلى التهدئة والحوار.
هل هناك دعم شعبي في عمان لإيران؟
نعم، يظهر بعض التعاطف الشعبي مع إيران، نظرًا للعوامل الثقافية والتاريخية والهوية المشتركة في بعض المناطق.
هل يمكن أن تلعب عمان دورًا في الوساطة بين إسرائيل وإيران؟
نعم، عمان لديها سجل طويل من الوساطات الناجحة، وقد تكون وسيطًا مقبولًا لدى الطرفين إذا تم فتح قنوات تفاوض.
خاتمة: بين التاريخ والجغرافيا... موقف عمان يتوازن
ما يجري اليوم في المنطقة اختبار جديد لحكمة سلطنة عمان في التعامل مع أشد الأزمات حساسية وتعقيدًا. وهي تمضي قدمًا في طريق الدبلوماسية المتأنية، دون التفريط في صلات شعبها التاريخية والعاطفية مع الجارة إيران. وهذا التوازن هو ما جعل عمان دولة تُحترم، وتُصغى لها، وتُحسب لها الكلمة عند اشتداد العواصف.