725621982609bff9a612df8fd628781e

التنمر قصة "الصوت الخافت": حين يصبح الصمت لغة الجرح

في زاوية الفصل، كان "سالم" يجلس دائمًا في المقعد الأخير، يطأطئ رأسه ولا يرفع عينيه كثيرًا. لم يكن صوته مسموعًا إلا حين يُطلب منه القراءة، فيأتي صوته خ

التنمر قصة "الصوت الخافت": حين يصبح الصمت لغة الجرح


في زاوية الفصل، كان "سالم" يجلس دائمًا في المقعد الأخير، يطأطئ رأسه ولا يرفع عينيه كثيرًا. لم يكن صوته مسموعًا إلا حين يُطلب منه القراءة، فيأتي صوته خافتًا كأنه قادم من بئر عميق.

سالم، ابن الثانية عشرة، جاء من قرية نائية إلى المدينة بعد انتقال والده للعمل. كان غريب اللهجة، بسيط الملبس، يحمل حقيبة قديمة وكثيرًا ما يتلعثم عندما يتحدث.

ومنذ اليوم الأول، بدأ "منذر" ورفاقه ملاحقته بنظراتهم الساخرة. يُطلقون عليه ألقابًا جارحة: "البدوي"، "الزرافة"، "ولد القرية"... وكل يوم كان يمضي عليه وكأنّه اختبار صعب: كيف يتجنّب الضرب، السخرية، أو حتى مجرد الوجود.


في أحد الأيام، حين تأخر المعلم عن الحصة، استغل منذر الفرصة ليأخذ حقيبة سالم ويفرغ محتوياتها وسط ضحكات الجميع. كانت الأوراق مبعثرة، والدفاتر ممزقة، لكنّ الذي تحطم فعلًا لم يكن شيئًا ماديًا. لقد انكسر في قلب سالم شيء ما... شيء لا يُرمم بسهولة.

لم يبكِ أمامهم. فقط جمع أغراضه بصمت، ومضى إلى البيت دون أن ينبس بكلمة.


في البيت، لاحظت والدته أنه عاد مبكرًا، لكنّه ادعى أنه متعب. دخل غرفته، وأغلق الباب. حين فتحت والدته حقيبته لتجهزها، وجدت ورقة مبللة بالدموع، كُتب عليها:

"أنا تعبت. ما عدت أريد الذهاب إلى المدرسة. كل يوم أشعر أنني عدو في مكان لا يعرفني ولا يحبني. لماذا الناس يكرهون من هم مختلفون؟"


في اليوم التالي، دخلت والدة سالم المدرسة، وتحدثت مع الأخصائية الاجتماعية والمعلمة والمدير. تم التعامل مع الأمر بجديّة، وتم استدعاء أولياء أمور المتنمرين. لم يكن الهدف العقوبة، بل الفهم.

نُظّمت ورشة في الصف عن "التنمر وآثاره"، حيث طُلب من كل طالب أن يكتب رسالة إلى شخص تعرض للتنمر. كانت رسائل صادقة، بعضها كتبها المتنمرون أنفسهم، ومن بينها رسالة من منذر تقول:

"سالم، أنا آسف. كنت أراك ضعيفًا، فظننت أنني قوي عندما أؤذيك. لكن الحقيقة أنني كنت أهرب من خوفي بأن أكون أنا يومًا في مكانك."


اليوم، لم يعد سالم يجلس في آخر الصف، ولم يعد صوته خافتًا. لقد أصبح أحد المتحدثين في نادٍ طلابي يعالج قضايا التنمر. لم يعد الصمت لغته، بل أصبح صوتًا لكل من عجز عن الكلام.


الدروس المستفادة:

  • التنمر ليس "مزحة ثقيلة"، بل جرحٌ قد يمتد لسنوات.

  • لا أحد يولد متنمرًا؛ السلوك يُتعلم ويمكن تغييره.

  • عندما نصغي لمن يعانون، نمنحهم الحياة مرة أخرى.

  • وقفة واحدة ضد التنمر قد تُنقذ حياة.


يرجى عدم نسيان ترك تقييم.

استكشف المزيد من خلال الانضمام إلي على BuyMeACoffee / Patreon