![]() |
الإعلام في زمن التغيير: كيف يُشكّل وعينا ويصنع الواقع؟ |
هل الإعلام مجرد وسيلة لنقل الأخبار؟ أم أنه أصبح اليوم القوّة الناعمة التي تُغيّر مصائر الشعوب، وتؤثر في الحكومات، وتعيد تشكيل وعي الناس؟
في هذا المقال، نسلّط الضوء على دور الإعلام في حياتنا اليومية، وتحوّله من أداة إخبارية إلى سلطة مؤثرة، بل شريك في صياغة القرار العام. فالإعلام لم يعد فقط "السلطة الرابعة"، بل قد أصبح أحيانًا الأولى.
الإعلام... المرآة أم المُحرّك؟
لطالما وُصف الإعلام بأنه "مرآة المجتمع"، ينقل الواقع كما هو. لكن هذه النظرة تغيّرت جذريًا، فالإعلام لم يعد فقط ينقل، بل يوجّه، ويُحرك، ويؤثر، ويختار زاوية الرواية.
- المذيع لم يعد قارئًا للنشرة فقط، بل أصبح شخصية عامة تُتابع آراؤه في تويتر وفيسبوك.
- المواقع الإخبارية لا تكتفي بالنقل، بل تُحلل وتُفسّر وتنتقي ما تنشر.
- الإعلام الجديد، عبر اليوتيوب والبودكاست، أصبح أكثر تأثيرًا من الفضائيات في بعض الدول.
فهل لا يزال الإعلام مرآة؟ أم أنه أصبح عدسة بعدسات ملوّنة تصنع الرؤية حسب الجهة التي تقف خلفها؟
تطور الإعلام: من الورق إلى الخوارزميات
الإعلام الكلاسيكي كان يعتمد على الصحف، المذياع، ثم التلفاز. أما اليوم، فالإعلام الرقمي هو المتصدر، ومنصات التواصل هي الملك غير المُتوّج.
- الصحافة الورقية تراجعت أمام الصحافة الرقمية، حيث يُمكن لأي شخص إنشاء مدونة أو موقع إخباري خلال يوم واحد.
- الذكاء الاصطناعي دخل اللعبة بقوة: كثير من الأخبار تُكتَب وتُنشر آليًا.
- خوارزميات فيسبوك ويوتيوب وتيك توك هي من تُقرّر ما يظهر أمامك، وتبني بذلك وعيك السياسي والاجتماعي.
هذا التحول الخطير من الإعلام التقليدي إلى الإعلام الخوارزمي جعل المتابع عرضة للفقاعات المعلوماتية، لا يرى إلا ما يُشبهه، ولا يسمع إلا صدى أفكاره.
الإعلام العربي... بين المهنية والتبعية
يعاني الإعلام في كثير من الدول العربية من تحديات جمّة:
- الرقابة الحكومية، والتي قد تُقيد حرية الطرح.
- التمويل المُوجَّه، حيث تتحكم بعض الجهات في المحتوى عبر الإعلان أو الدعم السياسي.
- نقص الشفافية، مما يجعل بعض الأخبار غير مكتملة أو موجهة.
ورغم هذه التحديات، برزت في السنوات الأخيرة مبادرات إعلامية مستقلة، وأصوات صحفية تحاول أن تكون مهنية وصادقة، وتنقل الحقيقة دون رتوش.
الإعلام وصناعة الرأي العام
في السياسة، يُقال دائمًا: "صناعة القرار تبدأ من صناعة الرأي العام". ومن يصنع الرأي؟ الإعلام.
- في الحملات الانتخابية، تُعدّ التغطية الإعلامية أهم من البرامج السياسية.
- في الأزمات، يُوجّه الإعلام الناس نحو الخوف أو الطمأنينة.
- في الحروب، الإعلام قد يكون أداة تعبئة وتحريض أو سلاح سلام.
الأمثلة على ذلك كثيرة، من تغطيات الحروب، إلى الثورات، إلى الانتخابات. كلها تُدار اليوم بـ"إعلام ذكي"، لا يُبرز الحدث فقط، بل يُحدد كيف يجب أن نشعر حياله.
الإعلام والتربية: هل الإعلام يُربّي أبناءنا؟
نعم. الإعلام بات يؤثر على قيم الأطفال والمراهقين أكثر من المدرسة، بل أكثر من الأهل أحيانًا.
- أفلام الكرتون، اليوتيوب، التيك توك... هذه كلها منصات تعليم غير مباشر.
- الإعلام الغربي يُغذي ثقافات معينة قد تتناقض مع بيئتنا.
- غياب الرقابة يُترك الباب مفتوحًا أمام رسائل مبطنة وخطرة.
ولهذا أصبح من الضروري أن يكون للأهل وعي إعلامي، وأن تكون المدارس جزءًا من مشروع "التربية الإعلامية".
الإعلام الجديد: كلّنا إعلاميون
مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد الإعلام حكرًا على القنوات الكبرى.
- كل مواطن يستطيع أن يكون صحفيًا: يكتب، يصوّر، يُبلّغ.
- صعود "صحافة المواطن" أضاف عنصرًا حيويًا لكن أيضًا فوضويًا.
- الموثوقية أصبحت ضحية للسرعة: في كل لحظة ينتشر خبر جديد، لكنه قد يكون خاطئًا.
هذا الواقع الجديد فرض على المتابع أن يكون ناقدًا وواعيًا، لا مستهلكًا فقط.
الإعلام في سلطنة عُمان: هدوء، مهنية، وتدرّج
الإعلام العُماني يتميز بأنه متزن وغير صاخب. وقد شهد في السنوات الأخيرة تطورًا مهمًا:
- ظهور مواقع إخبارية محلية رقمية قوية.
- مبادرات شبابية لصناعة المحتوى الصحفي.
- انفتاح تدريجي على قضايا المجتمع والحوارات الجادة.
كما أن وجود استراتيجية وطنية إعلامية حديثة يؤكد رغبة السلطنة في تعزيز حرية التعبير، مع الحفاظ على المصلحة العامة والهوية الوطنية.
أسئلة شائعة (FAQ)
هل الإعلام لا يزال يؤثر في ظل وسائل التواصل؟
نعم، بل أكثر من قبل. فقط تحوّل التأثير من القنوات الكبرى إلى منصات رقمية فردية أو جماعية، مما جعل التأثير أكثر تنوعًا وربما أكثر خطورة.
هل فقد الإعلام التقليدي قيمته؟
لا. القنوات والمواقع الكبرى لا تزال تؤثر، لكنها تتكامل اليوم مع الإعلام الرقمي، ولا يمكن لأي جهة إعلامية أن تعيش بمعزل عن التحول الرقمي.
كيف نعرف أن الخبر موثوق؟
- تحقق من المصدر.
- لا تعتمد على عنوان مثير فقط.
- راجع أكثر من موقع لنفس الخبر.
ما هو دور المدونات الإخبارية في الإعلام الجديد؟
المدونات الإخبارية تُعد اليوم جزءًا مهمًا من المشهد الإعلامي، خاصة إذا التزمت بالمهنية، وتخصصت في نيتش واضح، ولبّت حاجات الجمهور بلغة قريبة.
الإعلام ليس فقط منبرًا للكلام، بل قوة قادرة على صياغة العقول. فاحرص على أن تتابع لا لتُصدّق فقط، بل لتُفكّر.