التصعيد في بحر الصين الجنوبي: هل يشعل فتيل نزاع دولي جديد؟
في زاوية ملتهبة من العالم، حيث تلتقي الجغرافيا بالتاريخ، يتجدد النزاع في بحر الصين الجنوبي. وفي الوقت الذي تنشغل فيه القوى الكبرى بأزمات في أوكرانيا، الشرق الأوسط، والتوازنات الجيوسياسية الجديدة، تقف منطقة بحر الصين الجنوبي كشرارة محتملة لنزاع دولي قد لا يكون العالم مستعدًا له بعد.
بحر غني بالتوترات
منذ سنوات، تتصاعد الخلافات بين الصين وجيرانها في جنوب شرق آسيا حول ملكية الجزر والشعاب المرجانية والمياه الإقليمية في بحر الصين الجنوبي. هذا البحر، الذي يمر عبره أكثر من ثلث التجارة البحرية العالمية، غني بالموارد البحرية والنفطية، ويُعد أحد أهم الممرات الاستراتيجية عالميًا.
لكن الجديد في الساحة الآن هو التحركات العسكرية الأمريكية الفعلية قرب الجزر المتنازع عليها، وردود الفعل الصينية التي باتت أكثر حدة من أي وقت مضى، حيث نشرت بكين مقاطع مصورة لأسلحتها المتطورة وهي "تحاكي" ردًا عسكريًا سريعًا على أي "استفزاز".
هل نحن أمام حرب باردة جديدة؟
تشبه الأحداث الجارية في بحر الصين الجنوبي بدايات الحرب الباردة، حيث المواجهة تتم عبر الرسائل غير المباشرة، واستعراض العضلات، واللعب على حافة الهاوية دون الانزلاق إليها. لكن المتغيرات الحالية – من تطور الذكاء الاصطناعي، وانتشار الطائرات المسيرة، وحتى التحالفات التكنولوجية – قد تجعل أي اشتعال أكثر خطورة.
الولايات المتحدة ليست وحدها، فهناك دول مثل الفلبين، فيتنام، وماليزيا، بدأت تعلن صراحة أنها ستدافع عن سيادتها حتى النهاية، وهو ما يمنح الصراع طابعًا متعدد الأطراف لا يمكن التحكم به بسهولة.
موقف أوروبا والعالم العربي
رغم انشغال أوروبا بأزمات الطاقة والصراع الروسي الأوكراني، بدأت بعض الدول مثل فرنسا وبريطانيا في تعزيز وجودها في المحيط الهادئ. الأمر لا يتعلق فقط بالدفاع عن الحلفاء في آسيا، بل بمحاولة منع الصين من السيطرة الكاملة على هذا البحر الحيوي.
أما العالم العربي، ورغم بعده الجغرافي، فله مصالح مباشرة في استقرار طرق الملاحة والتجارة. ولا يُستبعد أن يكون هناك دور لدول مثل الإمارات والسعودية في وساطة مستقبلية لحماية تدفقات النفط والتجارة.
هل تتحول الأزمة إلى حرب؟
أكثر ما يُقلق المراقبين اليوم هو أن أي خطأ حسابي بسيط، أو اشتباك غير مقصود، قد يشعل مواجهة كبرى. الجميع يسير على حبل مشدود، ولا ضمان أن لا يُقطع هذا الحبل في أي لحظة.
الصين تدرك أنها أصبحت قوة عظمى، ولا يمكن تجاهلها. والولايات المتحدة من جانبها، ترى أن تراجعها عن دعم الحلفاء سيُفقدها هيبتها وموقعها القيادي. وبين هذا وذاك، قد يجد العالم نفسه أمام مشهد أكثر قتامة من أي وقت مضى.
الطابع البشري للأزمة
الأزمة لا تقتصر على الحكومات. الصيادون الصغار، والمزارعون الساحليون، والمجتمعات المحلية في فيتنام والفلبين يعانون من التوتر اليومي. تخسر بعض هذه المجتمعات مصادر دخلها، وتواجه خطر النزوح أو الاستهداف في أي لحظة.
وفي الصين ذاتها، حملة دعائية وطنية كبيرة تُربّي الأجيال على ضرورة "استعادة الحقوق البحرية"، مما يجعل تراجع القيادة السياسية أمرًا بالغ الصعوبة دون دفع ثمن داخلي.
لماذا يجب أن نهتم؟
- العالم مترابط، وأي تصعيد هناك سيؤثر على أسعار النفط والشحن العالمي.
- الصراع سيمتد رقميًا، مع احتمالية حرب إلكترونية تُشل قطاعات اقتصادية في عدة دول.
- دول الخليج العربي تعتمد على التجارة البحرية الآمنة، وأي توتر سيهدد أمنها الاقتصادي.
توقعات قادمة
خبراء السياسة الدولية يرون أن الأشهر القادمة ستكون حاسمة. كل من الصين وأمريكا تختبر حدود الأخرى. وإذا لم يتم احتواء التصعيد، فإننا قد نشهد صراعًا يغير شكل النظام العالمي الحالي.
بحر الصين الجنوبي ليس مجرد منطقة نزاع جغرافي. إنه اختبار لمدى قدرة النظام الدولي على تفادي الحروب، وحماية مصالح الشعوب، وإيجاد حلول دبلوماسية لمشاكل متجذرة في التاريخ والسيادة والموارد.
إنه ملف عالمي، لكنه يمس الجميع، من الطفل الذي يشرب الحليب في هانوي، إلى التاجر العربي الذي ينتظر حاوياته من آسيا.