بين الواجب الديني، والإحسان الإنساني، والحدود الشرعية
في المجتمعات العربية والإسلامية، تنشأ الكثير من القضايا الأسرية المعقدة بسبب تداخل الأدوار العائلية، والتوقعات الاجتماعية التي تتوارثها الأجيال. ومن أبرز هذه القضايا وأكثرها حساسية: هل يجب على الزوجة أن تخدم أم زوجها، خصوصًا إذا كانت مقعدة أو مريضة؟
قد يبدو السؤال بسيطًا، لكنه يحمل في طياته أبعادًا شرعية، وأخلاقية، وإنسانية، واجتماعية، ويستحق نقاشًا متوازنًا يخلو من التعصب أو الإلزام الجائر.
أولًا: ما هو الحكم الشرعي؟
من الناحية الشرعية، ليس من واجب الزوجة في الإسلام شرعًا أن تخدم أهل زوجها، بما في ذلك والدته، حتى وإن كانت مقعدة أو مريضة. العقد الشرعي بين الزوج والزوجة لا يتضمن التزامًا بخدمة أهل الزوج، وإنما يقوم على المودة والرحمة والتعاون بين الزوجين.
قال الإمام ابن قدامة: "ليس على المرأة خدمة في منزل زوجها من الطبخ والخبز والتنظيف." وهذا رأي كثير من فقهاء المذاهب الإسلامية.
ومع ذلك، فإن الإسلام يحث على البر والإحسان، والتعامل بالمعروف، خاصة مع كبار السن والمحتاجين، وهذا ما ينقلنا إلى البعد الإنساني والأخلاقي للقضية.
ثانيًا: البعد الإنساني – أين الرحمة؟
حين تكون أم الزوج مقعدة أو مريضة، ولا تجد من يخدمها، يصبح السؤال ليس فقط: هل هذا واجب شرعي؟ بل: هل هذا واجب إنساني؟ هل من المروءة أن تترك زوجة الرجل أمه تعاني دون أن تمتد يدها بالعون، ولو أحيانًا؟
الحياة الزوجية ليست حسابات جافة. بل هي مواقف ومواقف تظهر معادن الناس، وقد يترك هذا الموقف في نفس الزوج أثرًا لا يُنسى، سواء كان إيجابيًا إن وجدت زوجته بجانبه، أو سلبيًا إن أحس أنها تتخلى عنه في ظرف كهذا.
اقرأ أيضا : لفتة دبلوماسية لافتة لمحمد بن سلمان
ثالثًا: علاقة الزوجة بأم الزوج – هل هي خصومة أم تعاون؟
للأسف، في الكثير من البيوت، تكون العلاقة بين الزوجة وأم الزوج مشحونة أو متوترة، مما يجعل أي طلب بخدمة الأم يُفسر على أنه نوع من الإذلال أو الفرض.
لكن إذا بُنيت العلاقة بين الطرفين على الاحترام والتفاهم، فإن خدمة أم الزوج لن تكون عبئًا، بل نوعًا من البر والإحسان الذي تعود نتائجه على الجميع، وتحديدًا على الزوج نفسه.
"ما لا يُفرض شرعًا، يمكن أن يُعطى خُلقًا"
رابعًا: هل من حق الزوج أن يُجبر زوجته؟
لا، لا يجوز للزوج شرعًا أن يُجبر زوجته على خدمة والدته أو أي من أهله. هذا يدخل في باب الإحسان لا الإلزام. ومع ذلك، يمكن للزوج أن يطلب من زوجته المساعدة بلين ورفق، لا بسلطة ولا بإكراه.
ولو أظهرت الزوجة استعدادها لذلك طواعية، فإنها تؤجر عليه، وتُكافأ من الله تعالى، ويُحتسب ذلك من حسن الخلق والبر.
خامسًا: ما الحل الأمثل في حالة الأم المقعدة؟
1. مشاركة الأدوار:
من الأفضل أن يتعاون الزوج مع زوجته في خدمة والدته المقعدة، أو أن يتحمل هو الجزء الأكبر من الرعاية، فهذا دوره ومسؤوليته الأولى.
2. توظيف مساعدة:
إذا كانت الإمكانات المادية متاحة، يمكن استقدام عاملة منزلية أو ممرضة للمساعدة في رعاية الأم، حتى لا تكون الزوجة مضغوطة نفسيًا أو بدنيًا.
3. الاعتراف بالجميل:
من المهم أن يُظهر الزوج التقدير والعرفان لزوجته إن ساعدته في هذا الظرف. كثير من الزوجات يقمن بهذه المهمة بدافع الحب والرحمة، ولكن ما يحطمهن هو الجحود وعدم التقدير.
سادسًا: متى تقول الزوجة "لا"؟
إذا كانت الزوجة:
-
تعمل خارج المنزل ولديها مسؤوليات مرهقة.
-
ترعى أطفالًا صغارًا ولا تجد وقتًا أو طاقة.
-
تتعرض للإهانة أو الاستغلال من أهل الزوج.
فلها الحق أن ترفض خدمة أم الزوج، خصوصًا إذا لم تكن العلاقة بينهما تقوم على المودة والاحترام. الإسلام لا يُلزم الإنسان بما لا يطيق، والعدل مطلوب في كل شيء.
خلاصة القول:
❝ خدمة الزوجة لأم زوجها ليست واجبًا شرعيًا، لكنها قد تكون من أعلى درجات الإحسان ❞
هي موقف إنساني، تُكرم فيه الزوجة نفسها قبل أن تُكرم من تخدمها. فإن فعلت ذلك بإرادتها، فلها الأجر والثواب، وإن لم تستطع أو لم ترغب، فلا ذنب عليها.
في النهاية، القيم التي تحكم بيوتنا يجب أن تكون نابعة من:
-
الاحترام المتبادل
-
الرحمة
-
التعاون
-
العدالة
وإذا تحققت هذه القيم، سيزدهر البيت، وتُصبح خدمة كبار السن شرفًا، لا عبئًا.