منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، لم تغب إيران عن مشهد الحروب والصراعات. فبعد عام واحد فقط، دخلت في حرب دموية مع العراق استمرت ثماني سنوات، خلّفت مئات الآلاف من الضحايا، وغيرت عقيدة إيران العسكرية بالكامل.
ومع انتهاء الحرب، لم تدخل إيران في مواجهات تقليدية شاملة، لكنها شاركت بفعالية عبر حروب بالوكالة، مثل دعم "حزب الله" في لبنان و"الحوثيين" في اليمن، ومليشيات الحشد الشعبي في العراق. كل هذا جعل من إيران لاعبًا غير تقليدي في ميزان الصراعات الإقليمية.
أما مع إسرائيل، فالصراع ليس مباشرًا، لكنه متواصل من خلال الضربات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف مواقع إيرانية في سوريا. كما أن إيران لا تُخفي دعمها لفصائل المقاومة في غزة، مما يجعل احتمال الحرب المباشرة مع إسرائيل حاضرًا في كل تصعيد.
وفيما يخص أمريكا، فإن التوتر مع طهران بلغ ذروته عقب اغتيال قاسم سليماني عام 2020، وتفاقم أكثر بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. واليوم، وفي ظل انخراط إيران في ملفات نووية معقدة، يبدو سيناريو المواجهة العسكرية الشاملة مع واشنطن واردًا في أي لحظة إذا خرج التوازن عن السيطرة.
هل كوّنت إيران خبرة في الحروب؟
قد لا تمتلك إيران قوة جوية أو بحرية متقدمة مثل إسرائيل أو أمريكا، لكنها اكتسبت خبرة واسعة في حروب العصابات، والحروب غير المتكافئة.
الحرب العراقية الإيرانية شكّلت مدرسة قاسية لطهران، فتعلّمت كيف تُدير جبهات طويلة الأمد، وتعوّض نقص التقنية بالتكتيك والانتحارية أحيانًا.
وفي السنوات الأخيرة، بات واضحًا أن إيران تفضل الحروب غير المباشرة، أو ما يعرف بـ"حرب الوكلاء"، حيث تُقاتل عبر حلفائها، مما يجنبها الخسائر المباشرة، ويمنحها مرونة في التفاوض.
أضف إلى ذلك تطويرها قدرات سيبرانية وهجومية في الفضاء الرقمي، وهو بعد جديد في معادلات الحرب الحديثة، جعلها تُصنّف من قبل بعض التقارير الاستخباراتية كقوة هجومية إلكترونية فاعلة.
إيران وقوتها الحقيقية: أين تكمن؟
القوة الإيرانية لا تقاس بعدد الطائرات أو حاملات الطائرات، بل بنفوذها الإقليمي المتشعب. فإيران طوّرت شبكة من المليشيات المسلحة العقائدية في عدة دول، وأصبحت قادرة على تهديد خصومها دون إطلاق رصاصة واحدة من أراضيها.
كما أن برنامجها الصاروخي الباليستي يُعد أحد أبرز أدوات الردع لديها، وهو متنوع من حيث المدى والدقة.
هذا بالإضافة إلى نفوذها السياسي في ملفات شائكة مثل العراق، سوريا، لبنان، واليمن، مما يمنحها تأثيرًا يتجاوز حجمها العسكري التقليدي.
القوة الإيرانية، إذًا، هي مزيج من الأيديولوجيا، والحرب النفسية، والتغلغل السياسي، والحرب بالوكالة، مع اعتماد جزئي على القوة الصاروخية والتقنية الإلكترونية.
هل عُرف فعلاً حجم الدمار الحقيقي للضربة الأخيرة على المنشآت؟
في الضربة الأخيرة التي استهدفت منشآت عسكرية نووية أو مراكز تصنيع صاروخي داخل إيران – سواء كانت بواسطة إسرائيل أو أطراف غربية – بقيت الصورة غير واضحة.
فبين نفي رسمي إيراني لحدوث أضرار جسيمة، وتسريبات استخباراتية وصور أقمار صناعية تُظهر دمارًا واسعًا، تبقى الحقيقة معلقة بين الدعاية والنفي.
التكتم الإعلامي من الجانب الإيراني يوحي بمحاولة لتقليل حجم الصدمة، خاصة في الداخل الإيراني، حيث يتنامى السخط الشعبي.
لكن تقارير غربية أكدت أن بعض المنشآت الحيوية مثل "بارشين" أو مواقع بالقرب من "أصفهان" تعرضت لتدمير كبير في البنية التحتية.
اقرأ أيضا : تيزانوس يقترح أن قضية كولدو قد تكون "مكيدة": اتهامات سياسية أم مؤامرة إعلامية؟
السؤال الأكبر: هل أثّرت هذه الضربة فعليًا على قدرة إيران على تطوير برنامجها النووي؟
الجواب غير محسوم، لكن مثل هذه الضربات لا توقف البرنامج بقدر ما تؤخره، وربما تُسرّع من قرارات الرد السياسي أو العسكري لاحقًا.
إيران ليست قوة عسكرية تقليدية، لكنها تحولت إلى عقدة استراتيجية في قلب الشرق الأوسط.
فـ "إيران وسيناريو الحرب" بات عنوانًا دائمًا في كل نشرات الأخبار، سواء تعلق الأمر بحرب شاملة، أو مواجهات بالوكالة، أو حتى حرب سيبرانية.
يبقى السؤال: إلى متى يمكن احتواء هذا السيناريو، قبل أن ينفجر في وجه المنطقة كلها؟
وهل يمتلك العالم – بالفعل – إرادة تفكيك هذا اللغز الإيراني المعقّد، أم أن الجميع يتعايش مع خطره بهدوء مؤقت؟