في فجر هذا اليوم، استيقظت المنطقة على تطورات دراماتيكية غير مسبوقة. حيث شنت القوات الإسرائيلية، وبدعم لوجستي من الولايات المتحدة، ضربات جوية مركزة على عدة مواقع إيرانية وصفت بأنها "مواقع استراتيجية لتطوير وتصنيع الأسلحة النووية". هذه الضربات، وفق تقارير أولية، أحدثت دمارًا كبيرًا في منشآت تعتبرها طهران مفاتيح قوتها الردعية.
الضربة لم تكن اعتيادية. فبحسب مسؤولين أمنيين غربيين، تم استخدام تقنيات عسكرية متقدمة وطائرات شبح لتنفيذ العملية، في محاولة لتجنب اعتراضات الدفاعات الجوية الإيرانية، وإرسال رسالة سياسية وأمنية حادة مفادها أن "الخطوط الحمراء قد تم تجاوزها".
ردود الفعل الأولية من طهران: تهديد.. ولكن!
في أول رد فعل رسمي، توعدت إيران على لسان المتحدث باسم الحرس الثوري، بأن الرد سيكون "قاسيًا ومؤلمًا"، وأكدت أن هذه العملية "لن تمر دون حساب". لكن الواقع على الأرض يطرح تساؤلات كبيرة حول مدى قدرة طهران على تنفيذ هذا التهديد بعد خسارتها لعدد من المنشآت الحيوية.
وسائل الإعلام الإيرانية تحدثت عن سقوط ضحايا بين مهندسي ومشغلي المواقع النووية، كما أظهرت صور متداولة دمارًا كبيرًا في منشآت عسكرية في أصفهان ونطنز.
هل انتهت إيران فعلًا؟
من الصعب، بل من المبكر جدًا، القول إن إيران قد انتهت. فالدولة التي واجهت حروبًا وحصارات وعقوبات لسنوات، لا تزال تملك أوراقًا متعددة. من بينها النفوذ الإقليمي في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وأذرعها العسكرية غير التقليدية مثل "حزب الله" و"أنصار الله". كما أن قدرتها على شن هجمات إلكترونية أو تحريك خلايا نائمة في مناطق حساسة لا تزال قائمة.
ومع ذلك، فإن توقيت الضربة، وتنسيقها مع واشنطن، يطرح علامات استفهام كبيرة حول حجم التنسيق الدولي ضد إيران، ومدى معرفة الأطراف الفاعلة بمواقع الضعف الحقيقية داخل إيران.
ما بعد الضربة: سياسة حافة الهاوية
من الواضح أن ما جرى اليوم لا يمكن اعتباره نهاية القصة، بل بداية فصل جديد، أكثر سخونة وتعقيدًا. فنحن أمام نموذج جديد من "سياسة حافة الهاوية"، حيث لم تعد الأطراف تكتفي بالتصريحات والتصعيد الإعلامي، بل انتقلت إلى الميدان.
إسرائيل بهذه الضربة، وضعت الجميع أمام خيارين: إما احتواء المشروع النووي الإيراني بالقوة، أو التعايش مع إيران نووية قادرة على تغيير توازنات القوى في المنطقة بشكل جذري.
هل كُسر ظهر إيران؟
هذا هو السؤال الذي يتردد اليوم في الأوساط السياسية والإعلامية. إن خسارة منشآت نووية كبرى هي بلا شك ضربة قاصمة، لكنها ليست ضربة قاضية. فإيران، وعلى الرغم من كل ما يقال، دولة تمتلك بنية تحتية متشابكة، وقيادة عقائدية لا تتراجع بسهولة.
لكن، وفي المقابل، فإن الخسارة المعنوية كبيرة. إذ إن طهران طالما ادعت أن منشآتها النووية محصنة ضد الاختراق، وأنها تمتلك قدرة الردع الكافية. الضربة الإسرائيلية اليوم قد تكون قد نزعت هذه الهالة، على الأقل في نظر الداخل الإيراني، الذي قد يتساءل: "أين الدفاعات؟ أين الردع؟".
ماذا عن التهديد بالرد؟
التهديد الإيراني بالرد ليس جديدًا، لكن الجميع يعلم أن الردود الإيرانية تخضع لحسابات دقيقة. فإيران لا تريد حربًا شاملة، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، والاحتجاجات الشعبية المتقطعة في الداخل، والعقوبات الأميركية التي أثقلت كاهلها.
لكن هذا لا يعني أنها ستبقى ساكنة. فهناك توقعات بأن يتم الرد من خلال تحريك حلفائها الإقليميين، أو شن هجمات محدودة ضد مصالح إسرائيلية أو أميركية في المنطقة.
هل نحن على أعتاب حرب إقليمية؟
الإجابة، للأسف، نعم. فالأجواء مشبعة بالتصعيد، وأي خطأ في الحسابات قد يقود إلى انفجار لا تحمد عقباه. المنطقة تعيش حالة من الغليان، وغياب الوساطات القوية والضامنة يزيد من تعقيد المشهد.
الواقع الجديد
بعد اليوم، لا يمكن لإيران أن تتحدث عن مشروع نووي محصن، ولا يمكن لإسرائيل أن تدّعي أنها غير راغبة في التصعيد. نحن أمام مرحلة جديدة، قد تكون أشد من كل ما سبق. مرحلة يختلط فيها الطموح النووي بالتوازنات السياسية، وتظهر فيها اليد القوية لمن يستطيع أن يفرض معادلته على الطاولة.
لكن مهما كانت قوة الضربة، تبقى الأسئلة الأهم: هل سيؤدي هذا التصعيد إلى إخماد التوتر؟ أم أنه مجرد بداية لحرب باردة جديدة في الشرق الأوسط، قد تتحول في أي لحظة إلى مواجهة شاملة؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.