📁 عاجل

هل دعمت دولة خليجية قرار ترامب بالتصعيد ضد إيران؟ قراءة في الكواليس الخفية

هل دعمت دولة خليجية قرار ترامب بالتصعيد ضد إيران؟ قراءة في الكواليس الخفية


منذ أن أعلن دونالد ترامب قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وتصعيده ضد طهران، بدأت العديد من التحليلات السياسية تتحدث همسًا عن وجود دعم خليجي غير معلن ساهم في دفع واشنطن نحو هذه الخطوة. وبينما لا توجد وثائق رسمية تؤكد هذا الادعاء، تتوالى الإشارات من تقارير وتحليلات استخباراتية ومصادر إعلامية غربية، تشير إلى أن أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في الخليج قد لعب دورًا محفزًا، ليس بالتحريض اللفظي بل عبر وسائل أكثر تعقيدًا ونفوذًا.

ما يلفت النظر في تلك المرحلة من التوتر أن إدارة ترامب لم تكن وحدها في حالة العداء الشرس لإيران، بل تزامن التصعيد مع خطاب إقليمي منسّق يصوّر طهران كعدو مشترك للمنطقة والعالم. ولعل هذا التناسق لم يكن عشوائيًا، بل نتيجة تحالفات استراتيجية تعتمد على المصالح المشتركة و"تمرير الرسائل" من خلال القنوات الخلفية السياسية والاستخباراتية، سواء عبر شركات الضغط في واشنطن أو من خلال عقود التسليح الكبرى التي ارتفعت أرقامها بشكل لافت قبيل وبعد إعلان ترامب قراراته.

في 2017، أعلنت إحدى الدول الخليجية صفقة أسلحة أمريكية ضخمة قُدّرت بمئات المليارات من الدولارات. لم تكن الصفقة فقط لأغراض الدفاع، بل جاءت ضمن سياق سياسي بالغ الأهمية، حيث تزامنت مع زيارة ترامب للمنطقة وخطابه الشهير الذي دعا فيه لتشكيل تحالف ضد ما وصفه بـ "التهديد الإيراني". ومن نافلة القول أن المال في عالم السياسة ليس مجرد رقم، بل أداة ضغط وتوجيه ومسار.

لم يظهر هذا الدعم فقط في صفقات التسليح، بل بدا واضحًا في طبيعة التعاون الاستخباراتي وتبادل المعلومات حول النفوذ الإيراني في العراق واليمن وسوريا. فبعض العواصم الخليجية وفّرت معلومات استراتيجية حول تحركات الحرس الثوري، وموّلت مراكز أبحاث وصحافة ناطقة بالإنجليزية ركزت على إبراز الخطر الإيراني بطريقة ممنهجة تستهدف صناع القرار في البيت الأبيض والكونغرس.

الحديث عن دعم لم يكن في العلن أمر طبيعي في هذا النوع من الملفات. ففي السياسة، يُفضّل الحلفاء أن يظلوا خلف الستار، وخاصة في ملفات شائكة كإيران، حيث تختلط الجغرافيا بالدين، والسياسة بالاقتصاد، والطموحات بالأحقاد القديمة. لكن مع تراكم الإشارات، بات من الصعب تجاهل ما وصفته مجلة "فورين بوليسي" بأنه تحالف من تحت الطاولة يسعى لتوريط الولايات المتحدة في معركة لا ترغبها بالكامل.

اللافت في القضية أن كثيرًا من التصريحات الصادرة من تلك الدولة الخليجية عقب إعلان ترامب تصعيده، كانت تتسم بالترحيب والتهليل، بل والتذكير المتكرر بأن إيران تمثل تهديدًا للأمن القومي العربي، رغم أن الدعوات للتصعيد لم تأتِ علنًا في شكل طلبات مباشرة أو تبنٍّ للحرب، بل من خلال دعم النبرة الأمريكية ونشر التحليلات التي تبرر الخطوة تحت شعارات مثل "إعادة الردع" و"وقف التوسع الإيراني".

أحد التقارير الاستخباراتية المسرّبة لاحقًا أشار إلى أن دولة خليجية مؤثرة خصصت ميزانيات ضخمة للتأثير على الخطاب السياسي الأمريكي فيما يخص الشرق الأوسط، وركّزت تحديدًا على دفع واشنطن نحو موقف أكثر عدائية تجاه إيران. وقد شمل ذلك تمويل مراكز دراسات، ورعاية مؤتمرات في عواصم غربية كان حضورها من المسؤولين الأمريكيين البارزين في مجال الدفاع والسياسة الخارجية.

من منظور المصالح، فإن الدولة الخليجية التي سعت لتقويض النفوذ الإيراني، لم تكن تتصرف عبثًا. بل كانت ترى في إيران تهديدًا جيوسياسيًا لطموحاتها الإقليمية، وربما رأت في ترامب الرجل المناسب لجرّ واشنطن نحو معركة قد تضعف طهران وتعيد رسم خارطة التوازنات في المنطقة لصالحها. لذلك، لم يكن التحريض بلسان، بل بدولارات ومواقف محسوبة وتسهيلات استراتيجية.

ومع أن ترامب لم يشن حربًا شاملة على إيران، إلا أن خطوته كانت الأقرب لذلك خلال العقود الأخيرة. وربما لو استمرت ولايته الثانية، لكانت الأمور أخذت منحىً مختلفًا كليًا. وفي خضم الحديث عن "التحريض"، تبرز الحقيقة السياسية الأكثر مرارة: حين تكون القوة في يد من يملك المال والتأثير، فإن حتى قرارات الحرب يمكن صناعتها بعيدًا عن البرلمانات والمؤسسات الديمقراطية، خلف الأبواب المغلقة ووسط ابتسامات المجالس الاقتصادية المشتركة.


تعليقات