لا يخفى على أحد أن المواطن العُماني يعيش اليوم بين مطرقة البطالة وسندان المعيشة المتردية. رغم الوعود المتكررة والسياسات التي تُطرح بين حين وآخر، ما زال الهم الأكبر الذي يُثقل كاهل الشاب العُماني هو: "كيف أحصل على وظيفة؟". هذه ليست مجرد تساؤلات يومية، بل صارت حالة اجتماعية مأساوية يتحدث عنها الجميع في المجالس والمقاهي ووسائل التواصل الاجتماعي.
في ظل اقتصاد عالمي متقلب وتراجع في فرص التوظيف داخل السلطنة، باتت أحلام العمانيين بالاستقرار الوظيفي والأمان المالي معلّقة على آمال خافتة، بينما تزداد قائمة الباحثين عن عمل يومًا بعد يوم. ومع تخرج الآلاف سنويًا من الجامعات والكليات، دون أن تقابلهم فرص عمل واقعية، يزداد الشعور بالخذلان والاحتقان.
ما زال للمواطن العُماني الهم الأكبر: الحصول على وظيفة
الوظيفة.. الحلم المؤجل لدى آلاف المواطنين
الحديث عن التوظيف في سلطنة عمان يشبه الحديث عن السراب، يُرى ولا يُنال. لسنوات طويلة، ظلّت الحكومات المتعاقبة تتحدث عن خطط لتقليص البطالة، ولكن ما يحدث على أرض الواقع مختلف تمامًا. آلاف الخريجين الجدد من الجامعات والكليات التقنية ينتظرون فرصة تليق بتخصصاتهم، ولكنهم يصطدمون بجدار من البيروقراطية، وقلة الفرص، وشح الوظائف الحقيقية.
ليس هذا فقط، بل إن فئة كبيرة من المواطنين لا تزال تتقدم إلى عشرات الوظائف شهريًا، دون تلقي أي رد أو حتى فرصة للمقابلة. البعض استسلم لليأس، وآخرون أصبحوا يكتفون بالتسجيل في قواعد بيانات التوظيف على أمل أن يأتيهم اتصال في يومٍ ما.
السوق لا يستوعب، والفرص محدودة
رغم وجود مبادرات لتوطين الوظائف، فإن السوق العماني لا يبدو قادرًا على استيعاب الأعداد الكبيرة من الباحثين عن عمل. القطاع الحكومي ممتلئ ولا يفتح أبوابه إلا في مناسبات نادرة، أما القطاع الخاص فغالبًا ما يُفضل العمالة الوافدة بسبب الأجور المنخفضة وقابلية التحكم.
يضاف إلى ذلك أن هناك فجوة واضحة بين التخصصات الأكاديمية واحتياجات السوق، ما يجعل آلاف الخريجين بلا وظائف حقيقية تتناسب مع مهاراتهم. كيف يمكن لمجتمع أن ينمو وشبابه معطلون؟ وكيف نبني مستقبلًا دون توظيف العقول والكفاءات؟
معاناة حقيقية ورواتب متدنية
الأجور لا تكفي الحد الأدنى من المعيشة
لنفترض أن أحد الشباب العمانيين وُفّق أخيرًا بالحصول على وظيفة، ما الذي ينتظره؟ الحقيقة أن كثيرًا من الرواتب المعروضة اليوم لا تكفي حتى لتأجير شقة صغيرة، ناهيك عن تغطية تكاليف الحياة الأساسية من طعام ونقل واحتياجات أسرية.
الرواتب التي تبدأ من 300 إلى 500 ريال عماني في بعض القطاعات بالكاد تغطي فواتير الكهرباء والماء، بينما تبقى مصاريف المعيشة الأخرى على عاتق المواطن، مما يدفع البعض إلى الاقتراض أو العمل الإضافي لسد العجز. هذا الواقع جعل الكثير من الشباب يعيدون النظر في جدوى العمل داخل السلطنة.
غلاء المعيشة يلتهم الرواتب قبل أن تصل
مع ارتفاع أسعار الوقود، والمواد الغذائية، وتكاليف الإيجار، فإن الراتب الشهري لم يعد كافيًا لتأمين حياة كريمة. المواطن العُماني اليوم يقف عاجزًا بين ضرورة العيش ومتطلبات الواقع القاسي. كيف يمكن أن يفكر بالزواج أو تكوين أسرة وهو بالكاد يستطيع إعالة نفسه؟
هذا الوضع دفع الكثير من الشباب إلى الشعور بالإحباط، بل وحتى فقدان الثقة في المؤسسات الرسمية التي لا تبدو قادرة على معالجة الأزمة بشكل جذري. إنها ليست أزمة اقتصادية فقط، بل أزمة اجتماعية تؤثر على بنية المجتمع وتدفع نحو مزيد من التوترات.
الباحثون عن العمل يتذمرون من الرواتب والأعمال المتدنية
وظائف لا تليق بمؤهلاتهم ولا تطلعاتهم
أن تقضي سنوات من عمرك في التحصيل الدراسي، وتحمل شهادة جامعية أو دبلوم، ثم يُطلب منك العمل بوظيفة لا تتطلب مؤهلًا، أو لا تعكس مستواك العلمي، هو أمر محبط للغاية. الكثير من الشباب العُماني يعاني من هذا التناقض الصارخ بين ما تعلموه وبين ما يُعرض عليهم.
حتى الوظائف التي تُعرض تكون غالبًا في مجالات لا تمثل أي إضافة حقيقية لمستقبلهم المهني، ما يجعلهم يشعرون وكأنهم يهدرون وقتهم في أعمال مؤقتة لا تضمن الاستقرار أو التطور.
القطاع الخاص.. خيار مفروض لا مرغوب
رغم الدعوات المستمرة لتوجيه الشباب نحو القطاع الخاص، إلا أن الواقع يقول إن هذا القطاع لا يقدم ما يكفي من الحوافز. من ضعف الرواتب، إلى غياب الأمان الوظيفي، وساعات العمل الطويلة، أصبحت هذه الوظائف خيارًا اضطراريًا لا يلجأ إليه الشباب إلا بعد اليأس من التوظيف الحكومي.
أضف إلى ذلك أن بعض الشركات لا تحترم القوانين المتعلقة بتوظيف المواطنين، ما يزيد من الشعور بعدم الإنصاف، ويدفع البعض إلى العزوف عن العمل بشكل كلي.
لا توجد حلول حقيقية للرفع من معيشة المواطن
الوعود تتكرر، ولكن الأزمات تزداد
في كل مناسبة رسمية، تُطلق تصريحات حول برامج دعم التوظيف، أو خطط للتنمية الاقتصادية، ولكن دون نتائج ملموسة على الأرض. المواطن لا يحتاج مزيدًا من الخطابات، بل حلولًا عملية تعيد له ثقته في المستقبل. الوعود وحدها لا تسد رمق الجوع ولا تملأ خزائن المحلات.
الكثير من الشباب يشعرون أن صوتهم لا يُسمع، وأن مشاكلهم الحقيقية تُغلف بأغلفة وردية في الإعلام، بينما يبقى الواقع مختلفًا تمامًا. المواطن لا يطلب المستحيل، فقط وظيفة كريمة، وراتب يكفيه، وأمل في حياة مستقرة.
الحاجة إلى إصلاح اقتصادي يعيد التوازن
لا يمكن معالجة البطالة دون مراجعة شاملة لسياسات التوظيف، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتحفيز الابتكار وريادة الأعمال. لكن هذه الخطوات تحتاج إلى إرادة حقيقية، وتنفيذ فعلي، لا مجرد كلام على الورق.
يجب أيضًا التركيز على تدريب وتأهيل الكفاءات، ومواءمة التعليم مع سوق العمل، وإيجاد بيئة اقتصادية تستوعب طموحات الشباب لا أن تخنقها.